مسرحية (( الصوت الأصفر))

المقاله تحت باب  مقالات و حوارات
في 
10/08/2007 06:00 AM
GMT



شخصيات المسرحية : الشاب / وتغلب علية علامات اليأس والإنهاك لما يعانيه من حالة نفسية سيئة.

: المتشرد/ كبير السن ، متطفل ، ممسوخ من شدة عذابه وعدم حُسن تصرفه في

علاقة اجتماعية ـ عاطفية .

منظر المسرحية : فضاء هيولي اسود ، تحوم في سمائه كتل ضبابية ، وفي الوسط كرسيان خشبيان

يمتلكان ارتفاع شاهق في قوائمهما ، وتلك القوائم عبارة عن أغصان شجر متشعب ومتعرج

ومتيبس ويستقر في قمة القوائم التي تزيد طولها طول الشخصيات بضعفٍ مقعد الكرسي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشهد 1

( الشاب جالس على الأرض بشكل مقلوب وفوقه كرسي، أي إن الكرسي جالس على الشاب ، ولكن أثناء بداية المسرحية وسماع صوت الموسيقى ينهض الشاب تدريجيا ً ويستمر في معاناته ويجسدها من خلال الرقص التعبيري أو الـdrama dance , ثم يدخل المتشرد) .

المتشرد : مالك تعاني كعادتك ؟ يمكنني مساعدتك ، يمكنني تخليصك من هذه الحالة المزرية التي انت فيها دائما ً

الشاب : أرجوك دعني وشأني لا ترغمني على تذكر الماضي مرة أخرى .

المتشرد : اعلم يا فتى أن الماضي يفيدك في تجاربك التي في الحاضر .

الشاب : لا حاضر لي ، فأيامي كلها ذكريات كلها ماضي .

المتشرد : لكني أحب مساعدتك .

الشاب : لا يمكنك ذلك ، لا اعتقد انك مررت بما مررت به , ولا اعتقد أن هناك شخصا ً مر بما مررت ُ أنا به.

المتشرد : اعلم بما مر بك ، فانا أراقبك منذ زمن ٍ طويل , والى هذا اليوم أنا أراقبك .

الشاب : كيف تراقبني وأنت طـَوال وقتك متشردا ً متسولا ً مابين الطرقات .؟

المتشرد : لا .. فأنا أراقبك .. وأراقب حتى أمثالك .. وأراقب حتى هي ..

الشاب : أرجوك .. لا تذكرها أمامي ,,

المتشرد : لماذا ؟

الشاب : عندما أذكرها تجعلني .... تجعلني اندم .

المتشرد : وعلام الندم ؟

الشاب : ( صمت)

المتشرد : عليك أم عليها الندم ..؟ اجبني .

الشاب : علينا سوية .

المتشرد : اقلق على نفسك .

الشاب : لا يـُهـِــم .

المتشرد : بل يهم بأن تقلق على نفسك .. فلا تنفــعـُك شيئا ً .

الشاب : من لا تنفعني بشيء ؟

المتشرد :هي .

الشاب : لا ... إنها تنفعني .

المتشرد : بماذا تنفعـُك أيها الغبي ؟

الشاب : ((مترددا ً)) تنفعـُــني ... يكفي بأنها تنفعني ..

المتشرد : نعم صدقت .. تنفــعـُــك بشيءٍ واحدٍ .

الشاب : ماهو ! ؟

المتشرد : تنفعك بضررها لك .

الشاب : ماذا تعني .

المتشرد : إنها تضرك .. وأنا معتاد ٌ من يضرني بشيء استغني عنه .

الشاب : وما علاقتك بي حتى تقارن نفسك بي .. . ؟ أرجوك بلا ثرثرة . دعني وشأني . واذهب من هنا .

المتشرد : لا .. لا. أنا لا أحب أن أرى رجلا ً طموحا ً مثـلـُـك لا يحب الحياة من اجل ِ واحدةٍ قد سلبت قلبك ببرود.

الشاب : لا تقل هذا فهي تحبني .

المتشرد : ( يضحك) تحبه ... عندما كنت بمثل عمرك عرفت ما هو معنى الحب . ، الحب خدعة ، الحب أكذوبة ، الحب هو الذي أوصلني إلى هذه الهيئة .

الشاب : هذا لديك .

المتشرد : إذا ً لديك أنت أيضا ً ..

الشاب : كيف ؟

المتشرد : بما أنك إنسان وأنا . . . . . ، فلكلانا نفس المصير .

الشاب : لا تصدع رأسي بفلسفاتك يا متشرد .

المتشرد : انك لا تستطيع مواجهة الواقع ، فالذي يمر بمثل هذه الحالة يكون خاويا ً لا يستطيع مواجهة حتى ذاته

الشاب : لا ..لا أظن هكذا .

المتشرد : بل هكذا لا تكذب على نفسك .

الشاب : لا أدري .. لا أدري . فأنا ضائع .. ضائع ، لا أجد في نفسي أيُ قرار والمشكلة أنها تعلم بأني أحبها ، ولا أستطيع حتى الكلام ، فعندما تمر من أمامي ..

المتشرد : (يقاطعه باستهزاء ) نعم أكمل يا روميو .

الشاب : أرجوك لا تستهزئ بي ، فعندما تمر من أمامي لا اعرف لماذا أتوقف عن عملي .. فان كل جسمي يتوقف عن الحراك ، وحتى لساني لايمكن أن ينطق بكلمة واحدة وحتى ولو لحرفٍ واحد.

المتشرد : وهي تمر من أمامك دون أي ارتباك .

الشاب : نعم .

المتشرد : هذه هي أنانية المرأة.

الشاب : لا اعرف بماذا توصف .

المتشرد : إذا ً هل تعرف مصيريكما ؟ كيف نهايتكما ؟

الشاب : لا اعرف .

المتشرد : بل تعرفه .

الشاب : كيف ؟

المتشرد : أنت مجرد عاملٍ بأجرك اليومي ، وهي بنتُ أعظم أثرياء المدينة.

الشاب : وما يعني هذا شيء ، فالحب .. الحب وحده يكفي (يقولها دون قناعة ) .

المتشرد : هذه خرافات وأساطير ، أي حب ٍ أيها المسكين ؟ إذا ً أنت تحبها لمالها .

الشاب : لا .. لا انك واهم .

المتشرد : إذا ً هل فكرت بأن تكلمها وجعل نفسك كذاك الذي قال :

وما حب ُ الديار ِ قد شـَغـَفَ قلبي

ولكن حـُبَّ من سكن الديارا

الشاب : أرجوك ، كفاك تسلية ً بعذابي .

المتشرد : انتبه لما سأقوله لك .. هل تريد أن تتخلص مما أنت عليه ؟

الشاب : طبعا ً ..كيف ؟

المتشرد : انساها فلا يمكن جمعكما معا ً .. فمن أنت ومن هي ؟

الشاب : لا أستطيع .

المتشرد : تبا ً لجوليت وسحقا ً لعبلة والويل لبثينة والهلاك لعزة والموت لليلى .

الشاب : ولماذا لا تقول تبا ً لروميو وسحقا ً لعنتر والويل لجميل والهلاك لكثير والموت ..الموت لقيس.

المتشرد : لا ..المرأة فداءٌ للرجل .

الشاب : لا .. الرجل فداءٌ للمرأة .

المتشرد : لا تشاكسني هكذا , فبماذا أفادك اولآئك المجانين المهوسين بالحب ؟ الم تقل لنفسك إنهم مجرد بقايا من ماض ٍ مزيف ٍ لعاطفةٍ مزيفة ؟ هل سألت نفسك ذات مرة لِمَ أنا هكذا ؟ أسألت نفسك هل هي مجنونة بي كما أنا مجنون بها كما تدّعي أنت ؟

الشاب : نعم ولكن لم أجد جوابا ً لأسئلتي .

المتشرد : أنا سأجد جواباً لكل أسئلتك ، فانا اكبر منك بأكثر من نصف قرن ، فأنا مررت بالكثير من التجارب منها العاطفية ُ بالأخص وبالدرجة الأهم ، ولهذا وضعت هذه القوانين التي ستكون قانونا ً لكل الرجال ، قانونا ً لكل من يعاني من شيء اسمه امرأة ، قانوناً لكل رجل يريد التعامل مع النساء بالصورة التي تجعلها مستقيمة ً معه .

الشاب : وهل هذه وسيلتـُك الوحيدة ؟

المتشرد : غايتي تبرر وسيلتي ، والغاية ُ تبررُ الوسيلة .

الشاب : وماذا في كتابك ؟

المتشرد : نصائح ، انتبه البند الأول يقول : (( إذا أردت أن تخدعها فخاطب عواطفها ولا تخاطب عقلها )) ، البند الثاني : (( اجعلها تعتقد أنها تفهمـُـك بطريقة واحدة وهي أن لا تفهمـُـها شيئا ً )) ، البند الثالث : (( ملابسك أهم من أفكارك وصديقتك أهم من أرسطو )) .

الشاب : أرسطو ؟ ! ، وهذا بماذا ينفعني ؟

المتشرد :ينفعك الكثير .

الشاب : ولكن لا ينفعها .

المتشرد : قلت لك أنها لا تنفعك شيء ، ولا يمكن جمعكما معا ً .

الشاب : ولكن كيف تجنبني من هذا العذاب ؟

المتشرد : موجودة ُ الطريقة ُ في هذا الكتاب ( يشير إلى عقله) ، استمع لهذا البند : (( إن امنع حصن يحتمي فيه الحبيب من حبيبته هو النسيان . . فإذا كان النسيان يكرهه . . فان جميع الحصون في هذا العالم لن تحميه .))

الشاب : ولكن كل وسائلك هذه ظالمة .

المتشرد : ظالمة لك أم لها ؟

الشاب : لها طبعا ً .

المتشرد : قلت لك منذ البداية المهم أنت لا هي ، والمهم الغاية كيف تكون .

الشاب : يبدو انك على حق ، فلا يمكن جمعنا معا ً ، هناك فارق ُ كبير فأنا مجرد ُ عامل ٍ في اجري اليومي وهي بنت أعظم الأثرياء .

المتشرد : إذا ً انساها .. انساها .. واتركها حتى لو كانت تحبك .. اتركها اتركها .

الشاب : اتركني أرجوك .. غادرني .. لا تزيد ألآمي ألما ً ..

تتصاعد الموسيقى بينما المتشرد ينسحب برقصة كيروكرافية خبيثة .. والشاب يعاني مرة أخرى كعادته .. ويرسم معاناته من خلال رقصاته الطقوسية

مشهد 2

الشاب يتعب من شدة معاناته السابقة فيستكين ويتكور حول جسده ..تخفت أصوات الموسيقى .. يدخل المتشرد أثناء معاناة الشاب .. ويراقبه للحظات .

المتشرد : ماذا بك ؟ هل عملت على نصيحتي .؟

الشاب : لقد وجدت النسيان يكرهني ولا يطاوعـُني .

المتشرد : أوهم نفسـَـك بان النسيان حليفك .

الشاب : لا أستطيع ، فعندما أريد أن انساها أتذكرها .

المتشرد : انساها .. انساها .. أنساها.

الشاب : صوت هذه الكلمة كاد يقتلني .

المتشرد : إذن أصبح النسيان حليفها هي .

الشاب : لا أدري . . . لا أدري الآن كيف أتصرف .

المتشرد : أصبح لك الآن عدوان .. النسيان وهي ..وهذا مضرٌ بك .

الشاب : كيف ؟

المتشرد : كنت لا تقوى على مقاومتها لوحدك ، فكان من الممكن أن تقاومها لأنك كنت مسلحا ً بالنسيان .

الشاب : وإذا كان النسيان حليفها .؟

المتشرد : اقتلها .

الشاب : (ينتفض) ماذا تقول أيها المجنون .؟

المتشرد : مابك هكذا انتفضت هلعا ً غاضبا ً ؟ اقصد اقتل النسيان .

الشاب : اقتل النسيان ؟

المتشرد : بخلاصك منها إلى الأبد .

الشاب : اذهب من هنا أيها المتشرد المجنون.

المتشرد :أنا ذاهبٌ ، ولكن تذكر ما قلته لك ... إذا لم تتخلص منها فسوف تتخلص هي منك .( يغادره)

الشاب : اذهب دعني وشأني .. أرجوك .. ياله من مجنون يريد مني أن اقتلها لكي انساها.. ولكن هذا قدري .. أن أتعذب من اجل امرأة .. متى انساها ؟ .. متى انساها ؟.... هل هو على حق .. أم .. أم هو على حق نعم . ماذا ؟!! لا .. لا انه مجنون يريد مني أن أكون قاتلا ً ... كيف انساها ..كيف ؟

صوت للمتشرد ولكن بصورة قبيحة: الوسيلة الوحيدة هي تلك الوسيلة ، وغايتك هي نسيانها .

الشاب : ولكن ليس بالقتل الوسيلة الصائبة .

المتشرد : ( يظهر على المسرح ) الغاية ُ يجب أن تصلها بشتى الوسائل ..النسيان يجب أن تصله حتى لو بقتلها .

الشاب :لكن لماذا بقتلها ؟ أيوجد شيء آخر غير القتل .؟

المتشرد : لا يوجد شي ٌ آخر فلا يمكن أن تنساها وهي على قيد الحياة .. فلا بد انك في احد الأيام ستراها ثم يهيج قلبك بعد بروده الصعب فتكون يائسا ً بائسا ً طوال عمرك ياغبي.

الشاب : الم اقل لك بأنك مجنون ؟

المتشرد : أنت المجنون لأنك لا تعرف معنى الجنون الحقيقي .

الشاب : وما معنى الجنون الحقيقي ؟

المتشرد : الجنون هو أن تترك نفسك في الهلاك , فكان بمقدورك تخليص نفسك من عذابك .

الشاب : كيف ؟

المتشرد : حسنا ً .. سأتركك هنا حتى تعي ما سأفعله .

الشاب : ماذا ستفعل ؟

المتشرد : سأتركك .. أتركك فقط .

الشاب : آآه يا الهي ,, لماذا أنا هكذا ؟ ما الذنب الذي جنيته ؟

المتشرد : ذنبك الوحيد هو انك أحببت .... أحببت دون تفكير .

الشاب :ولكن كان ذلك خارج نطاق إرادتي .

المتشرد : دعنى من هذه الثرثرة .. فانا أتكفل في إنقاذك .

الشاب : إنقاذي ؟ !

المتشرد : نعم دع الأيام بيني وبين النسيان .( يغادره)

الشاب : ( مهلوسا ً يتمتم) أنا لا أحب .. الحب خدعة .. الحب أكذوبة .. كما وصفها متشرد .. ( يضحك ) ماذا دهاني ..؟ ( يتحول الضحك إلى نـَحيب) ماذا دهاني ؟ أأكذب على نفس ؟ أأكذب حتى على نفسي ؟ (تتصاعد موسيقى صاخبة) أين أنا من هذا العالم أيـــــن ؟

مشهد 3

المتشرد صامتا ً ... بينما الشاب منتظرا ً منه أن يكلمه

الشاب : ماذا بك ؟ إنها ليس من عادتك أن تكون صامتا ً ... إنها ليس من عادتك أن لا تـُـثــَرثر.

المتشرد : لاشيء أنت الآن حــُر..

الشاب : مالك تتكلم ببرود ؟ ماذا تعني .؟

المتشرد : أنت حر .. وهذا يكفي .

الشاب : ماذا تعني ؟

المتشرد : اعني ما اعنيه .

الشاب : قف .. وما هذه قطرات الدم التي على ثيابك ؟

المتشرد : إنها دماء النسيان .

الشاب : ماذا تقول ؟ دماء النسيان ؟! هل أنت تهذي ؟ .. هل أنت مجنون ؟ وضِح بسرعة قل لي من قتلت أيها المجنون ؟

المتشرد : أنا قاتل . . نعم . . وهذه هي وسيلتي .. وغايتي هي .. إن بقتلي هذا ساهمت وشجعت للحصول على الطمأنينة والنسيان للطرف المقابل .

الشاب : وضح ماذا تقول .؟

المتشرد : وهل أوضح أكثر مما واضح ٌ لان .؟

الشاب : بدأت ترعبني .

المتشرد : حسنا ً .. قتلت النسيان وحليفته .

الشاب : ( بذهول ) مـــــــــن !؟

المتشرد : لأجلك لكي تعيش حياتك حرا ً.

الشاب : ( ينتفض لكي يضرب المتشرد ) الويل لك هل قتلت من أُحب ؟

المتشرد : ( يضحك ) لأجلك لكي تنساها فلن تكن موجودة ً بعد الآن .

الشاب : وهذه الجريمة كيف انساها ياغبي ؟ ( يضرب المتشرد )

المتشرد : يبدو انه لا فائدة معك .

الشاب : تباً لكتابك .. تبا ً لدستورك .. تبا ً لقوانينك التي نظمتها لي .

المتشرد : ( ينزعج) لا تقل هذا فسوف تثيرني غضبا ً .

الشاب : هل هذه الغاية التي أوصلتني لها أيها القاتل التافه ؟( يواصل في ضرباته المتقطعة)

المتشرد : ستجبرني على أن أكون عدائيا ً .

الشاب : وهل فيك عدائية أكثر من هذه ؟

يضربه فيتصارعان .. ثم يخرج المتشرد الآلة التي قتل فيها المرأة فيطعن بها الشاب في قلبه فيسقط الشاب صريعا ً ... ويواصل الطعن في قلبه بحالة هستيرية ،، فيستمر بالطعن للشاب الطريح أرضا ً

المتشرد : تبا ً لهذا القلب الخارج عن سيطرة عقل صاحبه .. ( يواصل الطعن ) هذه الطعنة ُ لك وهذه لها .. وهذه الطعنة لقلب روميو .. وهذه الطعنة لقلب عنتر .. وهذه لقلب قيس .. وهذه لقلب جميل ....وهذه قلب كثير ..كلكم أكذوبة .. كلكم ضحايا الوهم ...ضحايا .. ضحايا ..ضحايـــــــــــــا ....

((ويـــــــــــــــواصــــل الطــــــعـــــــن ))

*****************************

تمت في / مارس / 2005